Posted in Feature Dazed MENA issue 03

ويجز: ما بعد القمة

بعد أن نقل الراب المصري من السايفرز إلى لوحات الإعلانات في أقل من عقد، يوجّه ويجز أنظاره اليوم إلى ما هو أكبر.

Text عمر غنيم

يجلس ويجز متكئًا على أريكة في أحد استوديوهات القاهرة، يعبث بهاتفه ويتنقّل بين بلايليست تتراوح بين أسماء رابرز أمريكيين صاعدين مثل Xaviersobased وChe و2hollis، وأغاني من بدايات Lil B. في الخارج، يملأ وجهه شوارع القاهرة في اللوحات الإعلانية والإعلانات التلفزيونية ومنصات البث، في مشهد يعكس حضوره الطاغي على الساحة. لكن داخل هذا الاستوديو الخافت الإضاءة، لا يظهر أي شعور بالانتصار. يقول: “لو حسّيت إنك وصلت للنجاح تبقى فشلت”.

على مدار سنوات، شكّل ويجز الصوت الأبرز لجيل دفع موسيقى الراب من الهامش إلى قلب الساحة الموسيقية المصرية. واليوم، مع صدور ألبومه الكامل الأول واستعداده لخوض أول بطولة سينمائية، ينظر الفنان الشاب إلى ما هو أبعد من القمة التي يسعى معظم الفنانين للوصول إليها طوال مسيرتهم. السؤال لم يعد إن كان سيصل، بل أين يمكن أن يتجه شخص بلغ القمة بالفعل.

كان لقائي بويجز في استوديو المنتج حسين جمال، الذي شاركه العمل على ألبومه الجديد ‘عقارب’. استقبلني جمال وهو ينشغل بتجهيز مساحته الجديدة، ودارت بيننا أحاديث ودّية في انتظار وصول ويجز. وعندما دخل أخيرًا لم يكن هناك أي بروتوكول رسمي، إذ بدأنا الحديث عن الموسيقى قبل بدء الحوار. خلال النقاش، طرحنا أوضاع مشهد الهيب هوب الحالي، وعندما أشرت إلى تغلغل موسيقى البوب المتزايد في الراب، رفض ويجز الفكرة من أساسها، معتبرًا أن «البوب» لم يعد مفهومًا قائمًا بذاته، بل تصنيفًا واسعًا يمكن إلصاقه بأي لون موسيقي يحظى بالانتشار. هذا الجدل بين البوب والراب يعكس مسيرة ويجز الفنية ويمهّد لفهم طريقته في التعاطي مع الموسيقى.

منذ نجاح أغنيته الشهيرة ‘البخت’ عام ٢٠٢١، جمع ويجز بين حدة الراب وموسيقى البوب الجماهيرية في صيغة لم يعرفها المشهد المحلي سابقًا. استطاع أن يخترق مساحات لم يسبق للرابرز الوصول إليها، ليخلق صوتًا جديدًا يتجاوز حدود النوع ويصل إلى جمهور أوسع. بهذه الطريقة، وسَّع ويجز من نطاق تأثيره وفتح الطريق أمام فنانين آخرين، مُسهمًا في إعادة صياغة صورة الرابرز في مصر.

قبل ذلك، كان ويجز في طليعة حركة موسيقية شبابية قلبت موازين صناعة الموسيقى المصرية. نشأت الحركة في أوساط جيل ما بعد الثورة، جيل يتلمّس طريقه وسط الاضطراب، يبحث عن صوت يعبر عن طموحاته وإحباطاته. كان الراب وسيلته الأساسية، ناقلًا ملامح جيل اختار أن ينافس وفق قواعد اللعبة بدلًا من رفضها، جيل يسعى للفوز بأي ثمن. في تلك المرحلة، لم يكن الراب مرحّبًا به في التيار السائد، بل ظل محصورًا في دوائر محدودة قبل أن يقود ويجز موجة صعوده إلى نجاح تجاري غير مسبوق وانتشار جماهيري واسع، ليصبح الصوت الأكثر تأثيرًا في الساحة.

ارتبط صعود ويجز بنهضة أوسع لموسيقى الراب في العالم العربي، وأصبح أحد أبرز وجوهها. من خلال تعاونات مع الجراندي طوطو من المغرب، وبو كلثوم من سوريا، وسافاج بلاج من الجزائر، ساهم في وضع الراب المصري ضمن حوار إقليمي أوسع. هذه الشراكات، إلى جانب أسلوبه الهجين بين الهيب هوب والبوب وسّعت انتشار الراب خارج حدود مصر، وأتت مشاركته في كأس العالم في قطر كلحظة فارقة عززت مكانة الراب العربي وحضوره في منصات عالمية.

لا تزال ذكرى أغنيته ‘تي إن تي’ عام 2018 حاضرة، إذ جاءت في بداية لحقبة جديدة في الراب المصري. كان صوت ذلك الشاب وقتها غريبًا وغير مألوف، لكنه حمل صدقًا جعل جيلاً كاملًا يشعر للمرة الأولى أن الموسيقى تعبّر عنه حقًا. كانت تلك الأغنية علامة على ميلاد مشهد جديد تخلّص من الصورة النمطية للراب المحلي الذي كان متمسكًا بمفاهيم عفا عليها الزمن كالخطاب المباشر والاستعراض اللفظي المبالغ فيه والانغماس في السياسة، لتظهر موجة أكثر عفوية وصراحة تعكس الواقع اليومي.

في مقابلة عام 2019 مع «سين نويز»، ظهر ويجز يتجوّل بحرية في حيّه الورديان بالإسكندرية، يتحدث عن طموحه بثقة وهدوء: “دي مزيكا المستقبل في مصر. ده الصوت اللي هيغلب. دي الموجة”. لم يكن الراب قد دخل التيار الرئيسي بعد، لكن كلماته تنبأت بما سيحدث.

تزامن صعوده مع تحوّل كبير في صناعة الموسيقى؛ جيل جديد من الفنانين صنع نجوميته بجهوده الذاتية، خارج حسابات الشركات. كان المشهد يتحرك بسرعة غير مسبوقة، بمساهمات جماعية من المنتجين والمصورين والمخرجين والمصممين، وصارت كل أغنية جديدة بمثابة خطوة نحو تكوين ثقافة موسيقية جديدة. برز ويجز كأحد الوجوه الأبرز لهذا التحوّل، إلى جانب أسماء مثل مروان بابلو وليجي-سي. وبينما ركّز كثيرون على لون موسيقي محدد، تميّز ويجز بمرونته الفنية، فتنقل بين ألوان متعددة من الراب إلى البوب وR&B والشعبي، من دون أن يفقد صلته بجذوره في الهيب هوب.

كتب عن المال والعلاقات والفشل والأحلام بلغة شعرية مستمدة من الشارع الإسكندراني، ما منح موسيقاه بصمة خاصة. أغانيه المبكرة كانت بمثابة توثيق حي لقصة نجاح تتشكّل أمام الجمهور. ومع  صدور أغنيته ‘دورك جاي’، حقق الراب المصري اختراقه الأبرز نحو المينستريم. أصبحت الأغنية بمثابة نشيد خلال فترة الحظر في كورونا، مسموعة في كل مكان. لكن ويجز يرى أنها لم تكن نقطة تحوّل بقدر ما كانت خطوة جديدة ضمن مسار طويل: “كل لحظة كانت جزء من عملية أكبر”.

منذ ذلك الحين، حافظ ويجز على مكانته متصدرًا المشهد من خلال استراتيجية إصدار أغنيات منفردة بشكل مستمر. هذه المقاربة جعلت مسيرته مغايرة، لكنها حافظت على حضوره الطاغي. “أكيد اتغيرت كتير، بس لسه نفس الجوع ونفس الدافع”، يقول عندما سألته عن الفرق بين ويجز في 2018 والشخص الذي يتحدث أمامي الان. يذكر محمد صلاح أكثر من مرة خلال المحادثة، وبالنسبة له، الأمر كله يتعلق بالممارسة والمحافظة على المستوى. تعامله مع الموسيقى أقرب إلى أسلوب رياضي محترف، ما جعله في مسافة مختلفة عن أقرانه. اليوم يفكر ويجز في الإرث الذي سيتركه، ومن هنا جاء قراره إصدار ألبوم كامل لأول مرة في مسيرته.

يعترف بأنه لم يسعَ يومًا وراء فكرة الإرث، لكنه يملك بالفعل ما يخلّده حتى لو اعتزل الآن. هذه اللامبالاة بالنتائج وعدم الاعتراف بالنجاح هي ما يميز فنانًا في حجمه. حتى وهو في القمة، جوعه يفوق أصداء الشهرة وملايين الاستماعات. “الموضوع مش إنك توصل وتقول خلاص أنا زي مايكل جاكسون. لو شفت نفسي كده يبقى انتهيت”، يقول. “أنا ممكن أكون حققت اللي عايزه، بس دي مش الطريقة. بتشتغل من غير ما تفكر هتاخد إيه في المقابل. بتعمل اللي عليك، ولما حاجة تيجي في طريقك تعملها بأفضل شكل. لسه في شغل. طول ما لسه ماعملتش كل المزيكا اللي عايز أعملها، يبقى لسه ماخلصتش”.

عقلية ويجز تتأرجح بين جوع دائم للمزيد وإحساس بالتواضع تجاه النجاحات التي حققها، وهو مدرك تمامًا لمكانته كأحد أهم الفنانين في المنطقة. “حتي لو الأقوى في المنطقة، ها؟ وبعدين؟” يتساءل، قبل أن يعود ليذكر أنه في النهاية إنسان. لا يوجد تكلف في كلماته، بل إدراك هادئ للتغيير: “أنا بتطور وعقلي بيتفتح. في حاجات مبقتش تهمني وحاجات تانية بقيت تهمني أكتر. بحكم أقل وبتقبل أكتر. باخد الناس والحاجات زي ما هي. بدأت أفهم مكاني في العالم. ممكن أعمل مزيكا حلوة بس مش هقدر أغير العالم”. 

شخصيًا، يعيش ويجز مرحلة نضج، بينما يستعد مهنيًا لأكثر فتراته نشاطًا: ألبوم كامل يضم 12 أغنية وتعاونات واسعة، بطولة فيلم جديد للمخرج علي العربي، وأعمال مبكرة على الألبوم المقبل. يظل ويجز في حركة دائمة ويتصرف بوعي في اختياراته وبخطى محسوبة. في التحضير للألبوم، حرص على أن يحظى بمساحته الخاصة: “نزلت جدول الضرب كان عشان ادي مساحة للألبوم ده، اللي هو أوسع وأقرب للي أنا عايز أعمله فعلًا”. يتكون الألبوم من 12 تراكًا تمثل رحلة عبر حالات شعورية مختلفة. “حتى وأنا بتكلم كمستمع، الألبوم ده أحسن حاجة سمعتها السنة دي. تقيل موسيقيًا وعاطفيًا، وجاي من مكان حقيقي”.

ألبوم ‘عقارب’ يمثل أكبر إصدار في مسيرة ويجز، لم يعد يصنع موسيقاه لمجتمع صغير، بل لجمهور واسع. هذا الاتساع يمنحه ثقل لا ينكره، لكنه يرفض أن يتحكم في عمليته الإبداعية. “هو مجموعة أغانٍ بتعكس حياتي والحاجات اللي بمر بيها دلوقتي”. يصفه بأنه ألبوم مواجه، نابع من تفكير عميق: “بتغني لمجتمعك. لو حاولت تكلم العالم كله، كلامك هيفقد معناه. بس بعد تفكير عميق، ممكن تقول حاجة لكل الناس، تواجه الناس وتقول دي حقيقتي”.

ما يظل عالقًا بعد لقائنا ليس حجم نجاح ويجز، بل وضوح رؤيته، فهو يرفض صناعة هالة أسطورية حول نفسه أو أن يتعامل مع موسيقاه كشيء أسطوري. بالنسبه لويجز، هي مجرد عملية يومية من البحث والصقل حتى يظهر شيء حقيقي. هذا الرفض للركون إلى صورة النجم المعصوم قد يكون أقوى أسلحته. في صناعة سريعة في تتويج النجوم والتخلي عنهم، يمضي ويجز بيقين هادئ أن المعيار الوحيد الذي يستحق الاهتمام هو إن كانت أغنيته القادمة أقوى من السابقة.

DOP OSAMA CORNAWY, Dazed MENA creative producer FATIMA MOURAD, creative producer MONICA ABADIR, make-up MARIAM HABASHI, hair MO’MEN TURK, photo assistant ABDELRHMAN OMAR, ACs MU TAREK, OMAR YAHIA, gaffer AHMED AMMAR (BAKAR), VHS SALMA SROUR, production assistants MOHANNAD EL MORSY, GHAIDAA HAMMAM, wardrobe supervisor AHMED ZIKA, location HILTON CAIRO GRAND NILE REVOLVING RESTAURANT, special thanks HILTON CAIRO GRAND NILE REVOLVING RESTAURANT, MAZEEJ BALAD

No more pages to load

Keep in touch with
Dazed MENA